الاثنين، 12 أبريل 2010

القدس عروس عروبتكم ملاحظة:منقول للشاعر مظفر النواب

في هذي الساعة في وطني ،
تجتمع الأشعار كعشب النهر
وترضع في غفوات البر"
صغار النوقً
يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق
في العلب الليلية يبكون عليك
ويستكمل بعض الثوار رجولتهم
ويهزون على الطبلة والبوقْ
أولئك أعداؤك يا وطني!
من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني ؟
من باع فلسطين وأثرى ، بالله ،
سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام
ومائدة الدول الكبرى؟
فاذا أجن الليل ،
تطق الأكواب ، بأن القدس عروس عروبتنا
أهلاً أهلاً ..
من باع فلسطين سوى الثوار الكتبهْ ؟


أقسمت باعناق أباريق الخمر
وما في الكأس من السُمِّ
وهذا الثوريّ المتخم بالصدف البحريّ
بيروت
تكرّش حتى عاد بلا رقبه
أقسمت بتاريخ الجوع
ويوم السَغَبة .
لن يبقى عربي واحد ،
ان بقيت حالتنا هذي الحالة
بين حكومات الكسبه
القدس عروس عروبتكم ؟!!
فلماذا ادخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم ، وتنافختم شرفاً
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض ؟؟!!
فما أشرفكم !
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبه ؟؟!
أولاد القحبة !
لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى ،
أمَّا أنتم
لا تهتز لكم قصبه !
الآن اعريكم
في كل عواصم هذا الوطن العربيّ قتلتم فرحي
في كل زقاق أجد الأزلام أمامي
أصبحت احاذر حتى الهاتف ، حتى الحيطان ..
وحتى الأطفالْ
أقيء لهذا الأسلوب الفج
وفي بلد عربيِّ كان مجرد مكتوب من أمي
يتأخر في أروقة الدولة
شهرين قمريين
تعالوا نتحاكم قدام الصحراء العربية
كي تحكم فينا
أعترف الآن أمام الصحراء ،
بأني مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتكمْ
يا شرفاءا مهزومين !
ويا حكاماً مهزومين !
ويا جمهوراً مهزوماً ! ما أوسخنا !!
ما أوسخنا ! ما أوسخنا !
ونكابر !!! ما أوسخنا !
لا أستثني أحداً
هل تعترفون ؟
أنا قلت بذيء ،
رغم بنفسجة الحزن
وايماض صلاة الماء على سكري ،
وجنوني للضحك بأخلاق الشارع والثكنات
ولحسن الفخذ الملصق في باب الملهى .
يا جمهوراً في الليل يداوم في قبو مؤسسة الحزن !
سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء
بلا مأوى !
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية ،
هذا وطن ؟؟!
أم مبغى ؟!
هل أرض هذي الكرة الأرضية أم وجر ذئاب ؟
ماذا يُدعى القصف الامميّ على هانوي ؟
ماذا تدعى سمة العصر وتعريض الطرق السلميَّة ؟
ماذا يُدعى استمناء الوضع العربيّ
أما مشاريع السلم ،
وشرب الأنخاب مع السافل "روجرز"
ماذا يُدعى أن تتقنع بالدين
وجوه التجار الأمويين ؟
ماذا يُدعى الدولاب الدمويّ "كذا" ؟؟!
ماذا تُدعى الجلسات الصوفية
في الأمم المتحدة ؟!!
ماذا يُدعى إرسال الجيش الإيراني إلى "قابوس" ؟؟؟
"وقابوس هذا :
سلطان وطني جداً.
لا تربطه رابطة ببريطانيا العظمى
وخلافاً لأبيه وُلدَ المذكور من المهد ، ديمقراطياً
ولذاك تسامح في لبس النعل
ووضع النظارات
فكان أن اعترفت بمآثره الجامعة العربية ،
يحفظها الله
وإحدى صحف الإمبريالية قد نشرت عرض
سفير عربيّ
يتصرف كالمومس في أحضان الجنرالات
وقْدام حُفاة "صلاله".
ولمن لا يعرف أنّ الشركات النفطية
في الثكنات هناك ،
يراجع قدرته العقلية"
ماذا يُدعى هذا ؟!!
ماذا يُدعى أخذ الجزية في القرن العشرين ؟!
ماذا تدعى تبرأة الملك المرتكب السفلس في التاريخ
العربيّ
ولا يشرب إلا بجماجم أطفال البقعة ؟؟؟!
أصرخ فيكمْ …
أصرخ أين شهامتكمْ ؟!!
إن كنتم عرباً … بشراً … حيوانات
فالذئبة حتى الذئبة ، تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
وأمَّا أنتم ،
فالقدس عروس عروبتكم ؟!!!
أهلاً!
القدس عروس عروبتكم ؟
فلماذا أدخلتم كل السيَلانات إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركمْ !
وتنافختم شرفاً !!
وتنافختمْ شرفاً !!
وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض !
فأيّ قرون أنتم ؟!!!
أولاد قُراد الخيل ! كفاكم صخباً
خلُّوها دامية في الشمس بلا قابلة
ستشهد ظفائرها ، وتقيء الحمل عليكمْ
ستقيء الحمل على عزتكم
ستقيء الحمل على أصوات إذاعتكمْ
ستقيء الحمل عليكم بيتاً بيتاً ، وستغرز أصبعها في
أعينكمْ
: أنتم مغتصبيَ ،
حملتم أسلحة تطلق للخلف
وثرثرتم
ورقصتم كالدببه !
كوني عاقر أيَ أرض فلسطين !
فهذا الحمل مخيف
كوني عاقر يا أم الشهداء من الآن ،
فهذا الحمل من الأعداء
دميم ومخيف.
لن تتلقح تلك الأرض بغير اللغة العربية ،
يا أمراء الغزو
فموتوا
سيكون خراباً
سيكون خراباً … سيكون خراباً ..
سيكون خراباً
هذي الآمة لا بد لها ،
أن تأخذ درساً في التخريب .
نها أجمل ما يحاكي ما نعايشه الآن
أتمنى أن تتمعنوا في معانيها
ولتقرئوا واقعنا في كلمات

رسالة الى احزابنا الفاشلة

أكثر
الأشياء في
بلدتنا الأحزاب
والفقر وحالات
الطلاق
عندنا عشرة أحزاب ونصف الحزب في
كل زقاق!
كلها تسعى الى نبذ الشقاق!
كلها ينشق في
الساعة شقين
وينشق على الشقين شقان
وينشقان عن شقيهما من اجل
تحقيق الوفاق!
جمرات تتهاوى شرراً والبرد باق
ثم لا يبقى
لها إلا رماد الإحتراق!
لم يعد عندي رفيق رغم
أن البلدة أكتظت بآلاف الرفاق
و...لذا شكلت من نفسي حزباً
ثم
إني - مثل كل الناس -

أعلنت على الحزب انشقاقي



نعم اعلنها اعلنها ولا اخجل من احد فأنتم يا اصحاب الاحزاب يا من تفاخرتم امام الاعلام على تحمل القضية واليوم اصبحت احزابكم سوى مصالح لكم فيا اولاد........... لماذا جعلتم دماء شهدائنا الابرار في البنوك وساومتم عليها من اجل مصالحكم الشخصية

السبت، 30 يناير 2010

هبه وعبير





أفسحي..
هكذا صرخت عبير ذات الإثني عشر عاما في أختها هبة الله التي تصغرها بخمسة أعوام .. فقد دفنت وجهها في ظهر أختها ولفت ذراعيها حولها .. فلم تفلتها هبة .. هنا صرخت عبير بشدة في أختها الصغرى وهي تنزع يدها وتلقي بها أرضا وهي تقول :قلت لك أفسحي .. فما أن وقعت هبة علي الأرض حتى بكت بشدة .. فجرت الأم الحنون تلتقطها وتضمها إلي صدرها
وهي تنهر عبير بشدة وتقول لها لا تدفعي أختك الصغر هكذا فقد تتأذي
فردت عبير مغضبة : لقد قلت لها ألف مرة الا تفعل هذا .. كلما سمعت صوت الغارات التي يقوم بها الإسرائيليون تجري إلي وتفعل هكذا .. فردت أمها قائلة في صرامة : كوني حنونة علي أختك.. ومن ثم غمغمت عبير ببعض كلمات غير مسموعة وسكتت .. ربتت الأم علي هبة حتى هدأت ثم تركتها وانشغلت بأمر البيت.. أحست عبير بالغضب ولم تجد بدا من أن تترك البيت .. الذي كان عبارة عن حجرة صغيرة و لم يكن بيتا بالمعني المفهوم فبعد أن هدم جنود الاحتلال منزلهم وقتل والدهم وتشردت العائلة بلا كفيل . عمل أخوها احمد الذي يكبرها بثلاث سنوات علي نقل الحاجيات علي عربة كارو تصدق بها عليه احد أهل الخير فاستطاع أن يجدوا هذه الحجرة لتلم شملهم .
وقفت عبير تنظر إلي الطائرات من بعيد .. كانت تحس بالرعب كلما رأت واحدة .. فهي تراها كما لو كان طائر كبير أسطوري جاء من الجحيم ليخطف أرواحهم ..
أنا آسفة
أجفلت عبير مستفيقة من تفكيرها.. فنظرت خلفها فوجدت هبة وما يزال دمعها علي خدها .. فأعادت هبة وهي مطأطئة الرأس : أنا آسفة.. فأنا أخاف بشدة عندما اسمع هذا الصوت .. أحست عبير بالذنب .. فجرت ناحية أختها و ضمتها وتقول: لا بل أنا الآسفة يا هبة .. ولكن أريدك أن تعلمي أني أخاف مثلك ولكني لا أريدك أن تفعلي هذا حتى يتسنى لي التحرك إذا ما هاجمنا شئ .. هنا نظرت لها هبة ببراءة قائلة : عندك حق لن افعلها ثانية .. فربتت عبير عليها وقالت : وأنت لا تخافي فسوف أحميك .. وعادت البسمة

طلبت الأم من عبير أن تذهب لشراء الخبز من مخبز قيل انه الوحيد المفتوح في القطاع بعد الغارات التي تضرب القطاع من 3 أيام فانطلقت هبة جزلة تقول سآتي معك .. فردت عبير قائلة : نعم ولكن لا تخافي من صوت الغارات .. فردت هبة : نعم

ركبا العربية عبير توجه العربة وعينها علي السماء .. وأختها من وراءها تلعب بالقش في العربة .. وحدث ما كانت عبير تخشاه .. لقد ظهرت الطائرات في السماء من بعيد وها هي تقترب.. ظلت عبير تتبع الطائرات النظر وقلبها بين قدميها .. وأحست بأختها بالقرب منها.. فوجدتها تنظر معها إلي السماء والرعب باد علي وجهها .. وتمنت عبير ألا تدفن هبة وجهها في ظهرها .. ثم رفعت عينها إلي السماء ثانية وهي ترقب في رعب اقتراب الطائرات .


************************


راقبت عبير الطائرة وهي تبتعد .. وتنفست الصعداء .. ولكن ما لبثت وان سمعت صوتها من جديد .. فراقبت السماء ورأت الطائرة من بعيد.. وتملكها نفس الخوف .. وتابعت الطائرة .. وازداد خوفها مع اقتراب الطائرة .. ومما زاد من رعبها أنها أحست بالفعل أن الطائرة متجهة نحوها ..
يا للهول..... لقد اقتربت الطائرة مسرعة نحوهم بالفعل
وصرخت هبة بشدة وهي تدفن وجهها في ظهر أختها.. وللعجب كادت عبير أن تنهرها ولكنها لسبب ما لم تفعل .. سبب ما جعلها تحس أن هذا بلا فائدة ... وارتفع صوت النار

***************************
بكى بشدة


نعم .. بكي بكاء مرا وهو يحاول ان يفصل بين الجثتين ليضع كل واحده في محفة لوحدها في عربة الإسعاف .
بكي وهو ينظر لأحدي الجثتين فقد كانت دافنة رأسها في ظهر الجثة الأخرى .. وهي تلف يديها حولها
نعم .. بكي
ولكن هلي يكفي البكاء........

------------------------------------
 

 
 

 

الأربعاء، 13 يناير 2010

لا تأسفي يا قدس


لا تأسفي


لا تأسفي .... لا تأسفي
رغم الجراح لا تأسفي
 وضيق الهواء في متنفسي
وجمره في فؤادي لا تنطفي
لا زال يا قدس قلبي مسعفي 


لا تأسفي ......

لا تأسفي رغم الأسف وما نحن فيه ندف
لا تجزعي لعضال موت لا يوصف
كم سل موت سيفه
لا كن ربك لطف


لا تأسفي
لا تأسفي إن همشوك على الخارطة
وزعموا إن شعبك عصابة من الزنادقة
وسيروك عاصمة لدويلة تختفي
ورسموك خطوط حمراء في الأرشف
دعهم يرسمون حتفهم ...
فهناك رب منصف


لا تأسفي .... لا تأسفي


هدم بيتي وشردت عائلتي
وها أنا أقيم على الأرصف
ومن راني اشتكي!

وقضيت نصف عمري في زنزانة
ونصف الأخر على بقايا بيت منتفي
ومن راني اشتكي !

أنا الشكوى تشكو من نوائب
لا لو شيعوني حيا
يكفيني فخرا إن مت لقضيتي وفي



(مصعب شواهنه 2009)


   

كيف يقتل الابرياء

ثمانية وعشرون حرفا من قاموس لغة الضاد ما عادت تكفي لتكوين مفردات جديدة تليق بوجع غزة وحزنها، وربما لن ينجح حرفا يحتل الترتيب الـ(29) أو حتى الـ(100)
في ترجمة دمعة سالت بذهول وحرارة من عين أب أعدم الاحتلال صغيره أمام ناظريه، ثم بدءوا في الرقص على بحر دمه النازف والتباهي بتصويب رصاصات حقدهم نحو جسده الساكن بلا حراك.
خيوط الحكاية الحزينة نسجها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 19 يوما، مسفرا حتى ظهر اليوم الأربعاء عن نحو ألف شهيد و4600 جريح نصفهم من النساء والأطفال.
عائلة عواجة الكائن بيتها في بلدة العطاطرة شمال القطاع كانت في كل صباح تستيقظ على شمس دافئة تغريهم بالنهوض باكرا، غير أن هذه الشمس وعصافيرها توارت واختفت مع بدء الحرب المجنونة،
وانزوت الأسرة في أقصى ركن تبحث عن أمن مفقود.
إبراهيم صاحب الأعوام التسعة –وبعد أسبوع من المكوث بالمنزل- اقترب من أمه وهمس بشوق "تعالي نخرج لحديقة المنزل ونتناول الإفطار هناك.. لقد تعبنا من هذه الغرفة".. بعد ساعة من الزمن كانت أكواب الشاي الساخن ومائدة طعام شهية تتحدى خوفا سكن أما وزوجها وثلاثة من أبنائها.

"أبي إني أموووووت.."
ظنت الأسرة أنها في مأمن وسلام، ولم تكن تدري أن عيون الحرب تحاصرها وتتربص بضحكاتها؛ قذيفة أولى تنطلق.. تقطعها أخرى.. الجدران تتصدع وتنهار..
الشظايا تطير.. وصيحات الرعب تتعالى.. ينسكب الشاي وتتحطم الأكواب وينغمس الخبز في الدماء.
إبراهيم ابن التاسعة يصرخ بأعلى درجات ألمه "أبي إني أموووووت.."، يهرع والده لحمله بين أحضانه.. يضمه ويتحسس نزيفا يسيل من بطنه.. ينادي بخوف على زوجته "هيا لمغادرة المكان".. تهرول الأسرة إلى الخارج، وما إن تصل باب الحديقة حتى يزداد وابل الرصاصات.
رصاصة تشل حركة الأم وتصيبها في قدمها فتعجز عن السير أو حتى الالتفات، وتتمكن أخرى من خاصرة الأب فتطرحه أرضا، ويسقط إبراهيم إلى جواره لتباغته رصاصة دامية تسكت آخر أنفاسه.
ويحتمي الطفلان المتبقيان خلف كومة من ركام المنزل يبكون بصمت طويل.. يهدأ ضجيج الموت قليلا.. فتظن الأسرة أن مأساتها انتهت، وهي لا تعي أنها للتو بدأت، جنود قادمون بخطوات قاسية.. يراهم الأب فيتظاهر بالغيبوبة والانتقال إلى عالم آخر.

يقترب أحدهم من جسد إبراهيم المسجى ويقلبه بقدمه يمينا ويسارا.. ترتفع ضحكات الجنود ويصوب أحدهم من بعيد رصاصة إلى رأس إبراهيم الساكن.. تتبعها قهقهة تنزل سكينا حادا في قلب والده.. يسحبون الصغير إلى مكان مرتفع.. يرمونه برصاصات المباهاة ويتسابقون في القنص على الطفل الشهيد.
دقيقة.. فعشرة.. فساعة.. وصدر إبراهيم ورأسه لوحة متحركة لقنصهم.. يضحكون طويلا.. يلهون.. ويتسابقون.. ثم بعدها ينسحبون.
برد الليل الطويل ولسعاته القارسة تتكفل بإيقاف مؤقت لنزيف الأب الذي راح يزحف نحو زوجته ليمسك يدها ويحثها على الثبات والصمود.. تبكي فيبكي وتتعانق دموعهما على الحزن الكبير.

جراح الروح الغائرة
أربع ليال ببردها وبطء عقاربها مرت على عائلة عواجة.. طفل شهيد اخترقته عشرات الرصاصات.. أب ينزف وأم لا تتحرك.. "كيف تم إسعافهم؟"..
الكيفية الدامعة هذه يسردها كمال عواجة والد الشهيد إبراهيم بصوت لا صوت له "قتلوا طفلي بدم بارد.. أعدموه مرة وثلاثا وعشرا.. تفاخروا أيهم يستطيع التصويب على جسد صغيري من مسافة أبعد".

يغمض الأب المفجوع عينيه ليخرج من صورة تفاصيلها تدمي قلبه، يستدرك بوجع: "تظاهرت بالموت وهم يقتربون من إبراهيم.. ظننتهم سيجهزون عليّ.. لكن ما لم أتخيله يوما أنني سأشاهد ابني وهو يتحول إلى لوحة لمرمى نيرانهم.. مع كل رصاصة كانوا يتمتمون بكلمات لم أفهمها.. حروفها فقط كانت توحي بنشوتهم وسخريتهم.. وكأنهم في معركة انتهت بانتصارهم".
يصمت تاركا العنان لدموع تنهمر كما المطر، يتساءل بعدها بأسى: "ما الذي فعله طفلي ليقتلوه بهذه الوحشية والإجرام؟!.. لم يرحموا براءته ولا جسده الغض.. تنافسوا فيما بينهم لقنصه والإمعان في إعدامه".
جرح جسد الوالد المكلوم بدأ يلتئم بيد أن جرح روحه الغائر سيبقى مفتوحا على آخره.. "البرد الشديد أسكت تدفق دمي، واندمل الوجع في خاصرتي، لكن وجع قلبي لن يشفى ما بقيت حيا".

ويلفت كمال إلى أن أسرته بقيت أربعة أيام في العراء دونما دواء ولا شراب ولا طعام.. "في صباح اليوم الخامس، سمعنا صوت عربة كارو تجرها امرأة عجوز مقتربة من أنقاض منزلنا.. ولداي وزوجتي وأنا أخذنا نصرخ مستغيثين بأعلى صوت إلى أن سمعت العجوز نداءنا.. وعلى الفور ذهبت لنجدتنا وجلبت الإغاثة، وبعد ساعة كانت سيارة الإسعاف تنقلنا جميعا إلى مستشفى دار الشفاء".

"إنهم يحرقون الطفولة"
الأم التي ربط أحد أبنائها قدمها بمزقة من قميصه ليضمد جراحها ترقد الآن على سرير المرض لتتلقى العلاج، وذاكرتها عاجزة عن تخزين هذا الكم من المشاهد الحزينة، وتتساءل بحرقة "ما الذي تريده هذه الحرب البشعة لكي تستمر أكثر من هذا؟!".
سؤالها المرتجف سيبقى معلقا دونما إجابة تشفي صدرها المكتوي، ووحدها ستظل نداءات حقوقية تصدر من هنا وهناك تشبه سؤالها الذي يندد بجرائم محتل يحصد أخضر الأرض ويابسها، وتصفها بـ"حرب الإبادة".
قال الله عز وجل في كتابه العزيز
"ولاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم، لايرتد إليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء.".

آية تهديد ووعيد ولكن ما أعظم مافيها من شفاء لقلوب المظلومين وتسلية لخواطر المكلومين، فكم ترتاح نفس المظلوم ويهدأ خاطره حينما يسمع هذه الآية ويعلم علم اليقين أن حقه لن يضيع وأنه سوف يقتص له ممن ظلمه ولو بعد حين. وأنه مهما أفلت الظالم من العقوبة في الدنيا فإن جرائمه مسجله عند من لاتخفى عليه خافيه ولايغفل عن شئ . والموعد يوم الجزاء والحساب، يوم العدالة، يوم يؤخذ للمظلوم من الظالم، ويقتص للمقتول من القاتل " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لاظلم اليوم" ولكن الله يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار" أي تبقى أبصارهم مفتوحة مبهوتة، لاتتحرك الأجفان من الفزع والهلع، ولاتطرف العين من هول ماترى، "مهطعين مقنعي رؤوسهم رؤوسهم، لايرتد إليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء" أي مسرعين لايلتفتون إلى شئ ممن حولهم، وقد رفعوا رؤوسهم في ذل وخشوع لايطرفون بأعينهم من الخوف والجزع وقلوبهم خاوية خالية من كل خاطر من هول الموقف. ماأعظم بلاغة القرآن وماأروع تصويره للمواقف حتى كأنك ترى المشهد ماثلاً أمامك.